الجمعة، 5 سبتمبر 2014

السادات و ليبيا و السيسي

في مؤتمر جنيف 1974، سلّم ممثلو الدولة الصهيونية مذكرة لنظرائهم المصريين بعنوان "أمل مصر الحقيقي: ليبيا"، كانت المذكرة تتحدث عن أن أي بلد يريد أن يتقدم يحتاج إلى الأرض والقوة العاملة ورأس المال، ومصر لديها الأرض و القوة العاملة لكن ينقصها رأس المال المتوافر في ليبيا بسبب البترول ، كان الهدف من المذكرة هو إرسال رسالة للمصريين بأن الكيان الصهيوني مستعد أن يطلق أيدي المصريين في ناحية الغرب مقابل أن يطلق المصريين أيديهم في ناحية الشرق، لم يُلتفت كثيراً للمذكرة في وقتها.

عام 1975 قامت ليبيا بالتعاقد مع الاتحاد السوفيتي على صفقة سلاح (لا تحتاجها) بقيمة 2 مليار دولار توسط لها حافظ الأسد و ياسر عرفات ، كانت الصفقة نوع من الترضية للسوفيت الذين لم ينالهم شيء من أموال الاستثمار العربية رغم مساندتهم للعرب في حرب 1973 ، كان السوفيت بحاجة إلى تلك الصفقة لدرجة أنهم قاموا بتحويل أموالها في نفس يوم استلامها لتمويل صفقة قمح من كندا وأمريكا، مما جعل السادات يدرك أن الوضع في الاتحاد السوفيتي صعب لدرجة تقترب من الإفلاس.

بدأت الحملة الإعلامية على ليبيا من القاهرة بتضخيم حجم الصفقة ل 4 مليار دولار، و أن الصفقة تضمنت موافقة ليبيا على إقامة قواعد عسكرية سوفيتية على أرضها ، و أن ليبيا لديها سلاح (تحديداً الطائرات) لا يستطيعون استخدامه بأنفسهم لقلة العناصر المدربة، و تم الإيحاء بأنهم سيحضرون السوفيت ليستخدموه لهم.

يومي 18 و 19 يناير 1977 قامت مظاهرات الخبز في مصر نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية و التضخم و غلاء الأسعار ، أحس السادات أن عليه التحرك سريعاً لإيجاد مصادر للتمويل للخروج من الأزمة الاقتصادية، أو تحريك المفاوضات مع الكيان الصهيوني لتخفيف حدة ضغط الداخل عليه و إلهائه بعيداً عن الأزمة الاقتصادية.

يوم 19 يوليو 77 أعلنت القاهرة قيام قوات ليبية بالإغارة ع مواقع مصرية في السلوم، ثم أُعلن يوم 23 يوليو أن ليبيا شنت غارة جوية يوم 21 يوليو اعقبها قصف مدفعي لمواقع مصرية، ثم غارة جوية ليبية أخرى يوم 22 يوليو .. فتم الرد بقصف قاعدة العضم الجوية في طبرق .
 العمليات المصرية للرد على الاعتداء المزعوم بما فيها دخول قوات مصرية إلى ليبيا عرفت وقتها إعلامياً بعملية "تأديب القذافي" ، يبدو أن هدف السادات كان احتلال جزء من ليبيا و استغلال موارده البترولية للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية في مصلا ، لكن شركات البترول الأمريكية العاملة في ليبيا لم تكن لتقبل تغيير الأوضاع في ليبيا فتحركت سريعاً وجعلت القيادة الأمريكية تضغط على السادات لسحب قواته و الخروج من ليبيا .
فوجيء السادات بالضغط الأمريكي عليه لظنه أن الأمريكان كانوا على علم بالمذكرة الصهيونية الخاصة بليبيا من مؤتمر جينيف 74، و أنهم موافقون عليها ، لكنهم لم يكن لديهم أي علم بها على الإطلاق.
كان موقف السادات حرج للغاية لكنه تمكن من الخروج من المأزق بذكاء عن طريق استغل وساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين لوقف إطلاق النار بين الطرفين وإخراج القوات المصرية من ليبيا ليبدو أن كل ذلك قد تم بالوساطة العربية وليس الضغط الأمريكي.

كان هدف السادات اقتصادي طمعاً في البترول الليبي، لكن لماذا اتفقت مصر و الإمارات على ضرب ليبيا ؟!

كما ذكرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية ، فقد قامت طائرات إماراتية بضربات جوية استهدفت ميليشيات إسلامية بينما اقتصر دور مصر على تقديم القواعد الجوية و الدعم اللازم و التسهيلات المطلوبة لتنفيذ تلك الضربات
وجود الطرف الإماراتي في الصورة يجعل من المستبعد أن يكون الهدف من وراء الضربات اقتصادي، الوضع المركب بوجود مصر كمقدم للقواعد الجوية و مانح لتسهيلات الضرب و الإمارات كمنفذ للهجمات يعكس اختلاف مصالح الطرفين. فمصر من ناحية هدفها منع قيام دولة إسلامية ع حدودها موالية بشكل أو بآخر للإخوان (بصفتهم يمثلون النظام الساقط - مجازاً) وتمثل تهديد مستقبلي و ربما نظام صديق سخي يرد المساعدة في يوم من الأيام على شكل دفقات من أموال البترول الليبي ، في حين إن موقف الإمارات يبدو من منطلق تنافس بينهم و بين قطر على تمويل فصيلين متضادين ، فكل من الدولتين يتمنى انتصار الفصيل الذي يموله !
و رغم إن قطر يبدو أن لها أهداف استراتيجية حقيقية في المنطقة تتمثل في خلق أنظمة حكم صديقة/موالية/تابعة عكس الإمارات ، إلى إن حجم قطر لا يسمح لها بأن تكون دولة ذات أهداف بهذا الحجم .
الوضع يبدو كنوع من الغرور و العند بين أمراء الخليج، خصوصاً مع رد الفعل الغاضب من الحليف الأكبر للجميع (الولايات المتحدة) الذي تبع تنفيذ الضربات على ليبيا .
تلاقي المصالح المصرية والإماراتية و غياب العقلاء القادرين على تقدير حجم ما قد ينتج من مثل هذه الضربات في البلدين يبقى الدافع وراء ما حدث .

و في ظل غياب المؤسسات المنهجية القادرة على رسم خريطة للتحركات السياسية و العسكرية و الأهداف الاستراتيجة في المنطقة العربية ، فستظل حوادث كهذه تظهر من حين لاخر وفقاً لنزوات الحكام العرب.
و في غياب تلك المؤسسات يصبح الحوار المجتمعي رغم ما به من قصور سواء من ناحية المعلومات أو من ناحية الدراسات العلمية واجب.


حفظ الله أوطاننا العربية من نزوات حكامها .

الاثنين، 12 مايو 2014

ليست انتخابات تُقاطع ... ليست انتخابات




أنصاف الحلول ليست حلول، لا تصدقهم حين يخبروك أن نصف العمى أفضل من العمى كله، نصف العمى أحياناً يكون مقدمة للعمى كله، البصر أفضل من نصف العمى و من العمى كله، لماذا لا نستمر في البحث عن النور (الضياء - عكس الظلام – مش الحزب)، لماذا لا نؤمن بأن النور لم يعد موجود، و إن ءامنا إنه موجود فلما لم نعد نؤمن بقدرتنا على الوصول إليه، إن كنا غير قادرين على التغيير الآن في اللحظة الحالية فليس علينا أن نشترك في مسرحيات الآخريين، صعودك للمسرح يجعل منك شريكاً في المسرحية، حتى و لو لم تتحدث، حتى لو وقفت ثابتاً لا تتحرك ... لماذا نشترك في انتخابات ليست إلا مراسم تنصيب للجنرال المنتصر، لماذا نشترك في انتخابات الأمان الشخصي فيها غير مضمون في ظل حالة الشحن التي يمر بها الشارع، انتخابات لن تسمح فيها دولة السيسي بغير فوز السيسي، فتلك المجازر لم تكن نهماً في الدماء، والحشد الإعلامي الضخم المسبح ليل نهار بحمد السيسي وتشويه كل من عارضه أواتخذ موقفاً مخالفاً له أو انتقده ليس مصدره أبواب شرف المهنة أوالميثاق الإعلامي (المنتظر - المفترض - الموعود - الأسطوري) أو حق المشاهد في معرفة الحقيقة، انتخابات لن تختلف عن الاستفتاء الأخير، انتخابات تم الدفع بصباحي إليها ليكون المنافس في ظل الإحجام عن الترشح، انتخابات أُريد أن يكون المنافس فيها مرشحاً ذا ثقل وسابق تجربة يمنح المسرحية شكل المنافسة و بعض المصداقية، انتخابات احجم المترشحون عنها إماً خوفاً من غضبة الجنرال، و إما إدراكاً للواقع الذي لا يسمح للتنافس أن يأخذ حيزاً بين ثنيات الواقع ... انتخابات لا استبعد التزوير فيها من أجل إظهار أرقام المشاركة أكبر من حقيقتها، على عكس ما اعتدنا عليه بأن يكون التزوير لمنح الفوز لمن لم يستحق، من أجل إظهار الانتخابات في صورة العرس الديموقراطي الذي نال ثقة عشرات الملايين من المواطنين من أجل تحسين انطباع الغرب عن النظام الجديد الذي يوشك على البزوغ.

لو أن هناك معركة تستحق المشاركة فيها فهي انتخابات مجلس الشعب القادم (إن كان مقدراً لها أن تُقام)، لأن عندها لن تكون الآلة الإعلامية قادرة على الحشد بنفس الصورة، و لن تكون مجرد تنافس بين اتجاهين فقط، و ليس الفوز بها مضموناً لأي فريق دون الآخر، و هو ما قد يستدعي النظام الوليد أن يمارس التزوير فيها بفجاجة كما حدث في انتخابات مجلس الشعب 2010 من أجل أن يحكم النظام قبضته على كل سلطات الدولة.

إننا أمام نظام جديد يخرج من بين رماد الأنظمة السابقة، نظام لا يجد أي حرج في الحكم بالحديد و النار و تطويع القضاء من أجل خدمة مصالحه الشخصية، نظامٌ قد يمتد لثلاثين عاماً قادمة و ليس لفترتين انتخابيتين، نظامٌ يتمنى أن يكون الجميع مشاركاً في تنصيبه ليخرج علينا فيما بعد كلما احتاج الأمر بكلمات كالشرعية و الخروج على مبادئ الديموقراطية، نظامٌ يتمنى أن نختار أنصاف الحلول من جديد كما فعلنا مع مرسي، أنصاف الحلول التي كانت من الأسباب الرئيسية لوصولنا للنقطة التي نقف عليها الآن، دعونا لا نكرر الخطأ أملاً في نتيجة أخرى .... دعونا نبتعد عن المسرح كل البعد، ولا حتى أن نرتبط به بصفة المشاهدين، تجاهلوا تلك المسرحية و سيروا في الشوارع التي تحملكم بعيداً عن المسرح، تجاهلوهم طالما لن تتمكنوا من إيقافهم .... لا تصعدوا على المسرح .