الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

سياسة كرة القدم




لأن أهم قواعد كرة القدم هي "لا شيء متوقع و كل شيء ممكن " ، لأن كرة القدم لا تعترف إلا ب "90 دقيقة" و "كرة تعبر الخط" و "صافرة حكم" ، لذلك فإن سياسة كرة القدم ليست كأي سياسة ، و لا تخضع لنفس القواعد التي يخضع لها كثير من مجالات الحياة المتعددة .

لأن منتخب الدانمارك لم يتأهل حتى لبطولة أمم أوروبا 1992 ، لكنه شارك فيها بدلاً من يوغوسلافيا التي لم تشارك بسبب الحرب ، لتنتهي البطولة بتتويج المنتخب الدانماركي بطلاً لأوروبا للمرة الأولى و الأخيرة حتى الآن .
 
لأن العراق فازت بكأس أمم آسيا للمرة الأولى في تاريخها عام 2007 ، فقط بعد أربع سنوات من غزو العراق ، و رغم كل ما تعرضت له دولة أسود الرافدين من تدمير و تخريب .

لأن أول ظهور لأنجولا في بطولة أمم أفريقيا كان عام 1996 ، و لم تتخط الدور الأول من بطولة أمم أفريقيا حتى بطولة 2006 ، لكنها تأهلت لأول مرة في تاريخها لكأس العالم في بطولة 2006 في ألمانيا .

لأن توجو التي لم تتخط الدور الأول من بطولة أمم أفريقيا إلا في بطولة 2013 ، تأهلت لأول مرة في تاريخها إلى بطولة كأس العالم 2006 .

لأن منتخب البوسنة و الهرسك الذي تأسس عام 1993 ، و لم يتأهل أبداً إلى بطولة أمم أوروبا ، سيشارك في بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل كسابقة أولى في تاريخهم الكروي .

لأن منتخب الأردن الذي لم يشارك في بطولة أمم آسيا سوى في 2004 في الصين و 2011 في البحرين ، و لم يتأهل قط إلى بطولة كأس العالم ، سيكون لديه فرصة تتمثل في مبارتين في مواجهة أوروجواي يصعد الفائز بمجموعهما إلى كأس العالم البرازيل 2014 .

لأن لاعبين أمثال "إريك كانتونا" لاعب مانشستر يونايتد ، والليبيري "جورج وايا" الحاصل على لقب أفضل لاعب في أوروبا و أفضل لاعب في العالم عام 1995 ، و "ألفريدو دي ستيفانو" لاعب ريال مدريد الشهير ، لم يلعبوا في كأس العالم .

لأن لاعبين بحجم "إيان راش" لاعب ليفربول ، و "ريان جيجز" لاعب مانشستر يونايتد ، و "جاريث بيل" أغلى لاعب في العالم الذي يلعب لريال مدريد ، لم يلعبوا في كأس العالم لأنهم يلعبون لمنتخب ويلز الذي لم يتأهل أبداً لبطولة أمم أوروبا ، و له مشاركة وحيدة في كأس العالم عام 1958 .

كل تلك أمثلة على أن كرة القدم لا تعترف بأي شيء سوى بمجهود اللاعبين داخل المستطيل الأخضر ، فقط 11 لاعب لديهم حظ كافي هو ما يهم للوصول لكأس العالم من عدمه ، و أن كرة القدم لا علاقة لها بأحوال البلاد السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية أو أي حال من الأحوال ، فقط ما يهم هم من يقفون فوق أرض الملعب أثناء التسعين دقيقة و مدى قدرتهم على إجبار الكرة على عبور الخط من عدمه و إقناع الحكم أنها عبرت الخط بالفعل .

لكن ما يحير حقاً و يثير الاستياء هو تحميل كرة القدم أكثر مما تحتمل ، و تحميل مباراة أو حتى وصول لبطولة كبيرة بأشياء لا علاقة لها بها ، و تحميل فوز أو هزيمة بأكثر مما يستحق، و المبالغة في إبداء الإعجاب أو الشماتة بطريقة عجيبة تعكس تبلد مخ صاحبها ، و تحليل مباراة كرة القدم خارج إطار كرة القدم ، كل هذه ظواهر تستحق الدراسة حقاً ، لماذا يكلف أحدهم عناء كل هذا ، لماذا لا يترك من لا يحبون اللعبة لمن يعشقونها و يصمتون ، فقط يصمتون ، و لماذا لا يتوقف أولئك الذين لا يحبون الكرة و لا يشاهدونها عن التصرف كمن يفعلون ، لماذا لا يبحثون حقاً عن شيء يحبونه يستغلون فيه أوقاتهم المهدرة  ... لا يمكنني أن أوجه لوم لعاشق فمرآة الحب عمياء بكماء خرساء ، لكني أتمنى منهم هم أيضاً أن يتوقفوا عن الحديث عن كرة القدم بغير كرة القدم ، و تفسيرها و تحليلها بغير ما فيها ، فما فيها يكفي و يزيد حقاً .

أخيراً ، اتمنى أن استيقظ يوماً لأجد كابوس المبالغة في ردود الأفعال ، و تحميل الأشياء بما ليس فيها و أكثر مما تحتمل قد زال و ذهب إلى غير رجعة .



*لاحظ حتى أني لم اشر إلى الحدث الذي بسببه كتبت كل هذا ، فهذا الحدث للأسف يتكرر بصور مختلفة و أبطال متغيرين مع ثبات رد الفعل عند الجمهور !*